عبد الله بن مبارك
118 - 181 للهجرة
عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي بالولاء، التميمي، المروزي أبو عبد الرحمن.
الحافظ، شيخ الإسلام المجاهد التاجر صاحب التصانيف والرحلات أفنى عمره في الأسفار حاجاً ومجاهداً وتاجراً وجمع الحديث والفقه والعربية وأيام الناس والشجاعة والسخاء كان من سكان خراسان ومات بهيث على الفرات منصرفاً من غزو الروم.
له كتاب في الجهاد وهو أول من صنف فيه، والرقائق-خ في مجلد.
,
إني امرؤ ليسَ في ديني لغامِزَةٍ ** لينٌ ولستُ على الأسلافِ طعّانا
وفي ذُنوبي إذا فكّرتُ مشتَغَلٌ ** وفي معاديَ إن لَم ألق غُفرانا
عن ذكرٍ قومٍ مضوا كانوا لنا سلفاً ** وللنبي على الإسلام أعوانا
ولا أزال لهم مستغفراً أبدا ** كما أمرتُ به سرّا وإعلانا
فما الدخولُ عليهم في الذي عملوا ** بالطعن منّي وقد فرّطتُ عصيانا
فلا أسبّ أبا بكرٍ ولا عُمرا ** ولا أسب معاذ اللَه عثمانا
ولا ابن عمّ رسول الله أشتِمُهُ ** حتى ألبّسَ تحت التربِ أكفانا
ولا الزبيرَ حواريّ الرسول ولا ** أهدي لطلحةَ شتماً عزّ أو هانا
ولا أقولُ لأمّ المؤمنين كما ** قال الغواة لها زوراً وبُهتانا
ولا أقول عليّ في السحاب لقَد ** واللَه قلتُ إذاً جوراً وعدوانا
لو كان في المزن ألقتهُ وما حمَلت ** مزنُ السحابِ من الأحياء إنسانا
إنّي أحب عليّاً حبّ مقتصِدٍ ** ولا أرى دونَهُ في الفضل عثمانا
أمّا عليٌّ فقد كانت له قدَمٌ ** في السابقينَ لها في الناس قد بانا
وكان عثمانُ ذا صدق وذا ورَع ** مراقباً وجزاه الله غفرانا
ما يعلَم اللَه من قلبي مشايَعَة ** للمغضبينَ عليّا وابن عفانا
إني لأمنحهم بغضى علانيَةً ** ولَستُ أكتُمُهم في الصدر كتمانا
ولا أرى حرمةً يوما لمبتَدعٍ ** مهناً يكونُ لهُ منّي وأوهانا
ولا أقولُ بقول الجهم إنّ لهُ ** قولا يضارِعُ أهل الشك أحيانا
ولا أقولُ تخلى عن خليقَته ** ربُّ العبادِ وولى الأمرَ شيطانا
ما قالَ فرعونُ هذا في تجبُّرهِ ** فرعونُ موسى ولا هامانُ طغيانا
لكن على ملّةِ الإسلامِ ليس لَنا ** اسمٌ سواهُ بذاك اللَه سمّانا
اللَه يدفعُ بالسلمان المعضلة ** عن ديننا رحمةً منه ورضوانا
لولا الأئمةُ لم يأمن لنا سبل ** وكان أضعفُنا نهبا لأقوانا
,
وكيفَ قرّت لأهل العلمِ أعينُهُم ** أو استلذّوا لذيذّ النوم أو هجعوا
والموتُ يُنذِرُهم جهراً علانيةً ** لو كان للقومِ أسماعٌ لقد سمعموا
والنارُ ضاحيَةٌ لا بُدَّ موردُهم ** وليس يدرونَ من ينجو ومن يقَعُ
قد أمسَت الطير والأنعام آمنةً ** والنونُ في البحرِ لم يخشَ لها فزَعُ
والآدَمِيُّ بهذا الكسبِ مرتَهَنٌ ** لهُ رقيبٌ على الأسرارِ يطِّلِعُ
حتى يوافيهِ يوم الجمعِ منفردا ** وخصمهُ الجلدُ والأبصارُ والسمعُ
إذ النبيونَ والأشهاد قائمةٌ ** والإنسُ والجنُّ والأملاكُ قد خشعوا
وطارت الصحفُ في الأيدي منشَّرة ** فيها السرائرُ والأخبارُ تطَّلَعُ
يوَدُّ قومٌ ذوو عِزٌّ لو أنهُم ** همُ الخنازيرُ كي ينجوا أو الضبعُ
كيفَ شهودكَ والأنباءُ واقعةٌ ** عمّا قليل ولا تدري بما يقعُ
أفي الجنانِ وفوز لا انقطاع لهُ ** أم الجحيمِ فما تبقى ولا تدعُ
تهوي بهلكاتها طوراً وترفعهُم ** إذا رجوا مخرجا من غمّها وقعوا
طال البكاءُ فلم ينفَع تضرُّعُهم ** هيهاتَ لا رِقَّةٌ تغني ولا جزَعُ
قال : يمدح الامام ابو حنيفه :
رأيتُ أبا حنيفةَ كلُّ يومٍ ** يزيدُ نباهةً ويزيدُ خيرَا
ويَنطق بالصوابِ ويصطفيه ** إذا ما قال أهلُ الجورجورَا
يقايسُ من يقايسهُ بِلُب ** فمَن ذا يجعلون لهُ نظيرَا
كفانافقد حمّادٍ وكانَت ** مصيبتنا به أمراً كبيرَا
فرَدَّ شماتَة الأعداء عنّا ** وأبدى بعدهُ علما كثيرَا
رأيتُ أبا حنيفةَ حين يؤتى ** ويُطلبُ علمهُ بحراً غزيرَا
إذا ما المُشكلاتُ تدافعَتها ** رجالُ العلمِ كان بهابصيرَا
,
إذا ما الليلُ أظلَمَ كابدوه ** فيُسفِرُ عنهُم وهم ركوعُ
أطارَ الخوفُ نومَهُمُ فقاموا ** وأهلُ الأمن في الدنيا هجوعُ
لهُم تحتَ الظلام وهُم سجودٌ ** أنينٌ منهُ تنفرجُ الضلوعُ
وخُرسٌ بالنهارِ لطولِ صمتٍ ** علَيهِم من سكينَتِهم خشوعُ
,
العِلمُ زينٌ وتشريفٌ لصاحبِه ** فاطلُب هديتَ فنونَ العلمِ والأدَبا
لا خيرَ فيمَن له أصلٌ بلا أدَبِ ** حتى يكونَ على ما فاتهُ حدِبا
كم من شريفٍ أخي عيّ وطمطمةٍ ** فدمٍ لدىالقوم معروف إذا انتسبا
في بيت مكرُمةٍ آباؤُه نجب ** كانوا رؤوساً فأمسى بعدهم ذئبا
وتجاهلٍ مقرفِ الآباء ذي أدب ** نال العلاء به والجاه والنسبا
,
واغتنم ركعتين زلفى إلى الل ** ه إذا كنتَ فارغاً مستريحا
وإذا ما هممت بالمنطق البا ** طل فاجعل مكانهُ تسبيحا
إنّ بعضَ السكوتِ خير من النط ** ق وإن كنتَ بالكلام فصيحا
,
فيا عجَبا كيفَ يُعصى الإل ** ه أم كيفَ يجحدهُا لجاحِدُ
وللّه في كلّ تحريكةٍ ** علينا وتسكينةٍ شاهد
وفي كل شيءٍلهُ آيةٌ ** تدُلّ على أنّهُ واحدُ
,
إلى اللَه أشكو لا إلى الناسأنّني ** ارى صالحَ الأخلاقِ لا أستطيعُها
أرى خلّةً في أخوةٍ وعشيرَةٍ ** وذي رحمٍ ما كنتُ ممن يضيعُها
فلو طاوَعَتني بالمكارمِ قدرَةٌ ** لجادَعليها بالنوالِ ربيعُها
,
إذا صاحبتَفي الأسفار قوماً ** فكن لهم كذي الرحمِ الشفيق
بعيبِ النفس ذا بصَرٍ وعِلمٍ **عَمِيَّ القلب عن عَيبِ الرفيق
ولا تأخذ بعثَرةِ كلّ قومٍ ** ولكن قلهلمّ إلى الطريق
فإن تأخذ بهفوتهم تمَلّ ** وتبقى في الزمان بلا صديق